موضوع: معضلات الاقتصاد المصرى السبت أبريل 17, 2010 6:42 pm
معضلات الاقتصاد المصرى
دراسة فى مكامن الخلل الداخي و اللجوء الى سياسة الاصلاح الاقتصادى"
المؤشرات الاقتصادية الرئيسية المعبرة عن أداء الاقتصاد المصري قبل بدء برنامج الإصلاح الاقتصادي في منتصف 1991، تنبئنا أن معدل النمو الحقيقي للناتج المحلي الإجمالي المصري قد انخفض من 8.7% عام 1987 إلى 3.5% عام 1988 ، ثم واصل انخفاضه ليسجل 2.7% ، 2.3% ، 1.2% في أعوام 1989، 1990، 1991، (2) وقد برزت هذه الاختلالات في بطء نمو القطاعات السلعية ، فقد تدهور النصيب النسبي للقطاعات السلعية في الناتج من 54.2% إلى 50% عام 90/1991 ، مما أدي إلى تناقص القدرة الذاتية للمجتمع على توفير الاحتياجات الأساسية والاجتماعية من السلع والخدمات وبالتالي استمرار الاعتماد على العالم الخارجي . وظهرت هذه المشكلة بشدة في قطاع الصناعة الذي يعتمد بشكل رئيسي على استيراد المدخلات الرئيسية من المنتجات الزراعية والسلع الرأسمالية والوسيطة وقطع الغيار وغير ذلك من الواردات الهامة التي تلعب دوراً حاسماً في عملية التنمية . وبسبب علاقات التشابك القائمة بين قطاع الصناعة وأغلب القطاعات الاقتصادية الأخرى ، فإن تدهور هذا القطاع قد انعكس على النمو الاقتصادي ككل . وبالمثل تدهور قطاع الزراعة ، وتواضعت معدلات الأداء فيه ، وفي الوقت الذي إزداد فيه الطلب على الغذاء بصورة كبيرة مما أدي في النهاية إلى تناقص نسبة الاكتفاء الذاتي وازدياد الفجوة الغذائية بالبلاد.(3) أما معدل ارتفاع أسعار المستهلكين (معدل التضخم) ، فإنه قد بلغ 18%، 19.3%، 20.4% في أعوام 1988، 1989، 1990، 1991 بأرقام البنك الدولي.(4) ولا يخفي ما لذلك من آثار اقتصادية واجتماعية ، إذ أن حدوث التضخم واستمراره لفترة زمنية طويلة يصبح صفة لصيقة تؤدي إلى المزيد من الاختلال الهيكلي في الاقتصاد القومي والاختلال بين الأجور والأسعار ، وتدهور القوي الشرائية للنقود ، كما يؤثر على قرارات الأفراد الخاصة بالاستثمار والإدخار ، بحيث يؤدي إلى ضعف الميل للإدخار وزيادة المضاربات على المباني والأراضي ، والميل إلى تخزين السلع ، والإحجام عن الاستثمار طويل المدى،(5) فالتضخم إذا أنطلق من عقاله واندفع بقوة عاماً بعد الآخر ، فإنه يؤوي إلى زيادة العجز في ميزان المدفوعات ، لأنه يعرقل الصادرات ويشجع الواردات وينمي ظاهرة هروب رأس المال للخارج ، كما أنه يؤثر على الاستثمار سلباً ، لأنه يؤدي إلى استحالة حساب التكاليف المقدرة للمشروعات الاستثمارية والخطط الإنتاجية بسبب عدم استقرار قيمة النقود ، كما أنه يشوه اتجاهات الاستثمار حيث يفضل المستثمرون في ظروف التضخم استثمار أموالهم في المشروعات الخدمية ذات العائد السريع(6) . كما أن تأثيره على الإدخار سلبي ، لأنه يخفض من مستوي الدخل الحقيقي ويرفع من الميل للاستهلاك وإلى سلبية سعر الفائدة الحقيقي ، كما أنه يؤدي إلى زيادة العجز في الموازنة العامة للدولة ، لأنه يرفع من حجم الإنفاق العام في الوقت الذي تنخفض فيه الإيرادات الحقيقية للدولة ، وحينما تتدهور قيمة النقود في غمار التضخم تظهر ظاهرة الدولرة " Dollarization " ، أي هروب الناس من العملة الوطنية واللجوء إلى العملات الأجنبية (كالدولار) الأكثر ثباتاً في قيمتها ، كمخزن للقيمة المدخرة . أما على المستوي الاجتماعي فآثاره جد خطيرة ، لأنه يزيد من غني الأغنياء ويزيد من فقر الفقراء ، كما أنه ينمي ظاهرة الاقتصاد السري والرشوة والفساد الإداري وعمليات التهريب ، والسوق السوداء ... إلى أخره ) وأخيراً وليس أخراً ، يؤدي التضخم إلى تدهور سعر الصرف للعملة الوطنية.(7) وظهرت أبرز الاختلالات في سوق العمل في تفاقم مشكلة البطالة سواءً كانت سافرة أو مقنعة، والتي اتسعت بنطاقها لتشغل كافة قطاعات المجتمع المصري ، وخاصة الخريجين الجدد من الجامعات والمعاهد العليا. وقد أشارت الإحصاءات إلى وجود ما يقرب من مليوني متعطل (حوالي 14.7%) من إجمالي القوي العاملة وفقاً لتعداد عام 1986 ، كما أشارت هذه الإحصاءات إلى أن نسبة البطالة بين الإناث قد ارتفعت من حوالي 6% عام 1960 إلى 41 تقريباً عام 1986 ، هذا مع ملاحظة أن البيانات لا تشمل البطالة الناشئة عن تشغيل جانب من القوي العاملة بأقل من طاقاتها الإنتاجية ، نتيجة توظيف أعداد متزايدة في بعض القطاعات ، الأمر أثر سلباً على إنتاجية العمل .( وعلى الرغم من أنه لا يوجد تقدير موثوق به حتى الآن عن حجم البطالة السافرة في مصر وهناك تفاوت كبير في التقديرات بين المصادر المختلفة . حتى التقديرات التي يصرح بها بعض المسئولين من حين لآخر تنطوي على قدر كبير من التضارب ، ويمثل التضارب في تقدير حجم أو معدل البطالة أحد الجوانب الهامة لهذه المشكلة ، إذ لا يمكن التعامل مع هذه المشكلة ، التي تعد واحدة من أخطر المشكلات التي تواجهها مصر إن لم تكن أخطرها على الإطلاق، ووضع السياسات المناسبة لها إلا إذا كانت هناك صورة كاملة وحقيقية عنها. وعلى أية حال، لو استندنا إلى التعدادات العامة الثلاثة للسكان التي أعدها الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء ، فسوف نجد أنه طبقاً لتعداد عام 1960 كان معدل البطالة 2.5% من إجمالي القوي العاملة ، وفي تعداد 1976 ، يقفز المعدل إلى 7.7% ثم إلى 14.7% في تعداد عام 1986 . وطبقاً للنتائج الأولية لبحث العمالة بالعينة للفترة 89/1992 يرتفع المعدل إلى 17.5% ، وهذه المعدلات كان يناظرها 175 ألف متعطل في عام 1960 ، 850 ألف متعطل في عام 1976 ، 2011 ألف متعطل في عام 1986 ، وحوالي 2672 ألف متعطل في عام 1992 . وفي ضوء ضعف معدل النمو الاقتصادي ، وما رافقه من ضعف في معدل استيعاب العمالة في السنة الأخيرة ، فضلاً عن العمالة المصرية التي عادت إبان حرب الخليج الثانية وتزايد حالات الكساد والإفلاسات في القطاع الخاص فإن رقماً فعلياً للبطالة يدور حول ثلاثة ملايين عاطل في مصر يعد أمراً مقبولاً. على أنه من المهم هنا أن نشير إلى أن تلك الأرقام تتعلق فقط بالبطالة السافرة ، ولا تشمل البطالة الموسمية، أي هؤلاء الذين يعملون في موسم أو " مواسم " معينة ، ثم يتعطلون بعد ذلك ، ثم يعملون .... وهكذا . ومن المفضل أن نضم لأرقام البطالة هذا النوع من البطالة وكذلك العمالة المهمشة، أي هؤلاء الذين يتعيشون على أجور تافهة من مهن هامشية لا استقرار فيها .. بيد أنه لا توجد تقديرات عن ذلك .
وفي الجدول الأتي يتضح لنا تطور عدد المتعطلين ومعدل البطالة في مصر للفترة من 1960–1986.(9) السنوات أعداد المتعطلين " بالألف فرد " معدل البطالة (النسبة إلى إجمالي القوي العاملة) % 1960 175 2.2 1962 118 1.8 1964 131 1.9 1968 244 3.1 1969 219 2.7 1970 198 2.4 1971 153 1.8 1972 135 1.5 1973 145 1.6 1974 209 2.3 1975 233 2.5 1976 850 7.7 1977 296 2.8 1978 354 3.3 1981 581 5.4 1982 596 5.6 1984 634 6 1986 2011 14.7
المصدر . الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء ، التعدادات العامة الثلاثة (1960، 1976، 1986)
وتتسم كتلة البطالة في مصر بأربعة خصائص أساسية هي: أن الشطر الأكبر من البطالة يتمثل في بطالة الشباب الذين يدخلون سوق العمل لأول مرة ولم يجدوا حتى الآن فرصة للعمل. انتشار البطالة بين حملة المؤهلات العليا والمتوسطة. ارتفاع نسبة البطالة بين النساء. اتجاه معدل البطالة للارتفاع في الريف في السنوات الأخيرة. وغني عن البيان القول بأن البطالة لا يجوز النظر إليها على أنها مجرد مشكلة اقتصادية فحسب ، بل هي قضية اجتماعية وسياسة وأمنية من الدرجة الأولى ، ويمكن القول بوضوح أن مدى التقدم في علاج هذه المشكلة يجب أن يكون هو المقياس الأهم لمدي نجاح أو ملاءمة السياسة الاقتصادية .(10) أما بالنسبة للعجز التجاري المصري فإنه ارتفع في عام 1990 إلى نحو 6631 مليون دولار مقارنة بنحو 4918 مليون دولار عام 1989 ، كما أنه بلغ نحو 5.6 & 6.5 مليار دولار في عام 1987 ، 1988 طبقاً لتقديرات البنك الدولي ، أي أنه كان يدور بصفة عامة عند مستويات مرتفعة تقترب من خمس قيمة الناتج المحلي الإجمالي المحسوب على أساس سعر الصرف وليس الناتج الحقيقي المحسوب بالدولار وفقاً للقدرة الشرائية للدولار في السوق الأمريكية مقارنة بالقدرة الشرائية للجنيه المصري في السوق المصرية.(11) أما بالنسبة للديون الخارجية المصرية فقد بلغت نحو 49970 مليون دولار عام 1988 بما يوازي نحو 145.7% من إجمالي الناتج المحلي الإجمالي المصري وما يوازي نحو 399.3% من حصيلة الصادرات ونحو 51505 مليون دولار في عام 1989 بما يوازي نحو 138.4% من إجمالي الناتج المحلي الإجمالي ونحو 442.3% من حصيلة الصادرات ... وذلك بدون حساب الديون العسكرية طبقاً لتقديرات البنك الدولي عن جداول الديون العالمية 89/1990 والموضحة في الجدول الآتي:
تطور ديون مصر الخارجية ( بدون الديون العسكرية ) خلال الفترة من 1984 – 1989 بالمليون دولار
السنوات الديون العامة والمضمونة الديون الخاصة غير المضمونة الديون قصيرة الأجل إجمالي الديون بما فيها الالتزامات لصندوق النقد الدولي نسبة إجمالي الديون إلى الناتج القومي الإجمالي نسبة إجمالي الديون إلى حصيلة الصادرات 1984 28474 500 5653 34883 121.3% 257.0% 1985 33030 750 6103 40067 127.0% 301.0% 1986 36214 947 6855 44160 159.6% 375.3% 1987 42263 1098 6267 49890 173.1% 455.1% 1988 42128 1131 6522 49970 145.7% 399.3% 1989* 43163 1081 7101 51505 138.4% 442.3% * مقدرة المصدر : البنك الدولي – جداول الديون العالمية 89/1990، الديون الخارجية للدول النامية، واشنطن، دي، سي، 1990، الملحق الأول ، ص 92.
مبالغ الفوائد والأقساط التي دفعتها مصر لخدمة أعباء ديونها الخارجية للفترة 1984 – 1989 بالمليون دولار السنوات الفوائد الأقساط إجمالي المدفوعات معدل خدمات الديون الخارجية % من الصادرات % من الناتج القومي الإجمالي 1984 1608 1467 3075 22.8 10.8 1985 1452 1530 2982 22.5 9.5 1986 1549 1198 2747 24.9 10.0 1987 876 540 1416 15.9 5.0 1988 1033 781 1814 15.1 5.3 1989* 1364 1466 2830 24.4 7.6 * مقدرة المصدر : البنك الدولي – جداول الديون العالمية 89/1990، الديون الخارجية للدول النامية، واشنطن ، دي ، سي ، 1990 ، الملحق الأول، ص 92 ، 93 (باللغة الإنجليزية)
... شئنا أم أبينا، لابد من الاعتراف بأن شطراً مهماً وكبيراً من الأزمة الاقتصادية ، التي تعيشها مصر يعود ، في التحليل النهائي ، إلى أزمة المديونية الخارجية التي حاقت بالاقتصاد المصري ، بل لن نتجاوز الحقيقة ، إذا قلنا ، أن ارتفاع الأسعار والخفض المستمر في الدعم والزيادة في معدلات البطالة وتدهور معدلات الاستثمار والنمو ، هي جزء من الثمن الذي ندفعه ثمن هذا الإهمال ، خاصة بعد أن أصبحت أعباء الديون في نهاية الثمانينيات تلتهم الشطر الأعظم من موارد مصر بالنقد الأجنبي ، ولم تعد مصر قادرة على التوفيق بين الوفاء بأعباء تلك الديون وتأمين الواردات الضرورية من السلع الاستهلاكية والوسيطة والاستثمارية . ومن هنا جاءت ضرورات إعادة الجدولة في نادي باريس وما رافق ذلك من ضرورة تطبيق برنامج صارم للاستقرار الاقتصادي والتكيف الهيكلي ..
.. لقد كان هناك اعتقاد خاطئ في بداية الانفتاح، فحواه ، أنه من الممكن تحقيق التنمية وزيادة مستوي المعيشة في الأمد المتوسط بالاعتماد المتزايد على الديون الخارجية دون أن تظهر ضغوط وعوائق في الأجل الطويل ، وكان من جراء ذلك وقوعنا في هذا الفهم الشديد للاقتراض الخارجي، وغاب عن صناع القرار الاقتصادي حقيقة بسيطة وهي أن الاقتراض بالأمس يعني ضرورة السداد اليوم، وأن الاقتراض اليوم يعني ضرورة السداد في الغد ، وأنه إذا جاء " يوم الحساب " ولم نكن مستعدين للدفع والوفاء بالتزاماتنا ، فلابد وأن نتعرض لضغوط خارجية شديدة من قبل الدائنين .(12) .. أما بالنسبة لعجز الموازنة العامة للدولة والذي لعب دوراً كبيراً في تغذية التضخم منذ النصف الثاني من السبعينات وحتى بداية الإصلاح الاقتصادي في التسعينات ، فإنه بلغ كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي نحو 33.5% عام 87/1988، ثم انخفض حتى بلغ 20% عام 90/1991.(13) ومن المعلوم أن هذا العجز نشأ وتطور بسبب تقاعس الإيرادات العامة عن مواكبة النمو الحادث في الإنفاق العام . وكانت خطورة استمرار هذا العجز، هو أنه يؤدي – عبر وسائل تمويله – إما إلى زيادة المديونية الخارجية حينما تتم تغطيته ، أو جزء منه ، من خلال القروض الخارجية.(14)
وفي الجدول التالي توضيح للعجز الكلي للموازنة العامة المصرية ومصادر تمويله:
العجز الكلي للموازنة العامة المصرية ومصادر تمويله خلال الفترة 87/1988 – 90/1991
87/1988 88/1989 89/1990 90/1991 العجز الكلي (مليار جنيه) 14.4 12.1 10.7 10.0 تمويل خارجي 5.6 (38.9) 3.4 (28.1) 3.1 (29.0) 2.8 (28.0) أوعية إدخارية محلية 2.5 (17.4) 3.6 (29. 2.1 (19.6) 3.3 (33.0) قروض محلية من مصادر أخرى 1.3 (9.0) 0.394 (3.3) 0.170 (1.6) 0.366 (3.7) الجهاز المصرفي 5.0 (34.7) 4.8 (39.7) 5.5 (51.4) 3.9 (39.0) ملحوظة: ما بين قوسين يشير إلى نسبة التمويل. المصدر : البنك المركزي ، التقرير السنوي، 1990/1991
وقد أدت هذه الإختزلات إلى تفاقم الأزمة الاقتصادية والتي إزدادت حدتها مع التدهور الشديد في حصيلة البلاد من العملات الأجنبية ، وذلك في أعقاب انهيار أسعار النفط الخام في الأسواق الدولية وما تلاه من تأثيرات سواء على حركة الملاحة في قناة السويس أو تحويلات المصريين العاملين بالخارج وتواكب ذلك مع حلول آجال السداد لفوائد وأقساط الديون المستحقة عليها، بعد إنقضاء فترة السماح ، فوصلت المتأخرات إلى أكثر من 11 مليار دولار حتى نهاية عام 1990(15) .. وكانت تلك الأزمات واحتياج الحكومة المصرية للإتفاق مع صندوق النقد الدولي من أجل إعادة جدولة الديون الخارجية لمصر وتأكيد الجدارة الائتمانية لمصر لتمكينها من الحصول على قروض جديدة ، عوامل حاسمة في خلق قناعة داخل الحكومة المصرية بالحاجة إلى إجراء تغييرات جوهرية في السياسات الاقتصادية المصرية لحل الأزمة الاقتصادية التي تعرضت لها مصر منذ منتصف الثمانينات وبخاصة منذ عام 1988 ، كما كان لموقف صندوق النقد الدولي والدول الدائنة وضغوطها من خلال عملية إعادة جدولة الديون وتقديم قروض جديدة أثر كبير في قبول مصر للانعطافة في سياستها الاقتصادية باتجاه التحرير الشامل للاقتصاد المصري ، فضلاً عن العوامل الداخلية الدافعة في اتجاه انتهاج مثل هذه السياسة والسابق الإشارة إليها .