* شكري بن عيسى
بتداولها في جلسة طارئة بتاريخ 2 كانون
الاول (ديسمبر) الجاري، لجملة من القضايا الخطيرة المتعلقة بتحريف نتائج
ما يقارب 200 مقابلة رياضية وتأهل فرنسا لمونديال 2010 على حساب إيرلندا
بـ 'يد الرب' كما وصفها الفرنسيون و'يد الضفدع' في تعبير للأيرلنديين
وكذلك أحداث الشغب التي رافقت مباراتي الجزائر ومصر خلال شهرتشرين الثاني/
نوفمبر الماضي ، أماطت 'الفيفا' اللثام عن حقيقة انهيار المنظومة
القيميّة-القانونية لكرة القدم ومدى تغلغل رموز الجشع والفساد في صلب جسد
هذه اللعبة البديعة عالية الشعبية التي سحرت الألباب وأسعدت النفوس لمئات
الملايين المولعين.
ما تم كشفه من غش على وجه الخصوص شكّل
صدمة حادة للبطل المحوري للمشهد الرياضي الذي كان المحرك الأساسي للعبة
الأولى في العالم سواء عبر حضوره بهتافاته المستمرة في المدارج أو عبر
انشداده المتواصل للفرجة التلفزية وظل المستهلك-المموّل المركزي للمنتوج
الكروي والاستثمارات الضخمة التي وراءه وغذى المشاعر الملتهبة التي رفعت
الرهانات الرياضية إلى مستويات قياسية.
الجمهور الواسع
الذي ادرك عمق مأساته.. فجأة ليصحو عن واقع مخزي.. أنه كان في النهاية
مخدوعا إلى حد النخاع. هذا الطرف الضعيف لم يكن يتصور أن التحايل
والمغالطات ستصل إلى هذا الحد من الوضاعة وأن المنافسات لم تكن تحسم داخل
المستطيل الأخضر بل كانت مجرد مسرحيات محبكة الإخراج مشوقة السيناريو، ولم
يكن هو سوى 'كومبارس' غفير لتزويق المشاهد أو بالأحرى حطب كثيف لنار
الفساد.
الحقيقة أن المسألة من الخطورة بمكان لأن
الرهانات الرياضية والاقتصادية في الصدد أصبحت عالية إلى حد كبير وطغت على
أصول وقواعد اللعبة واستهدفتها في جوهرها أي في نزاهتها التي تضمن سلامة
المنافسات وهو ما يمكن أن يفضي إلى اندثار كرة القدم المنظّمة التي تعتمد
على التشويق المبني على صعوبة المعرفة المسبقة للنتائج التي بغيابها لن
تشدّ العروض الكروية أي اهتمام ولن تخلق أي رهان ولن تحشد الجماهير لا في
الملاعب ولا أمام التلفازات.
تأهل غير مستحق لفرنسا
لنهائيات كأس العالم وانسحاب مرّ لأيرلندا، لم يتمّ بلعب الكرة بالأرجل بل
بيد تيري هنري المخادعة، وانتصار لمنتخب مصر أمام الجزائر بهدفين لم يتم
على الميدان بل انطلق باعتداء على ثلاثة لاعبين جزائريين بالعنف، وإحراز
بطولات وكؤوس وتأهل وانتصارات وهزائم وتعادلات على طول مائتي مباراة طالت
10 دول أوروبية وشملت بطولات دولية وتعدت المراهنات المتصلة بها عشرات
الملايين من الدولارات تم عن طريق الترتيب المسبق للنتائج، كل ذلك يثبت
مدى الزيف الذي أصبح يصبغ المسابقات الرسمية الكروية اليوم، وما خفي كان
أعظم .
فالتلاعب بالنتائج الرياضية والرشاوى والمجاملات
والمحسوبية وصراع المصالح و'اللّوبيات' لم يغب لحظة عن كرة القدم، وهي
تزداد يوما بعد يوم استعصاء عن الكشف وتوظف أدوات العبقرية والدهاء وتضم
الرياضيين والرسميين والوكلاء وقوى أخرى يصعب معرفتها أو الإفصاح عنها.
و ما يثيرالفزع ليس انتشار التلاعب بالنتائج بذاته، بل تشكّل الأمر في
إطار الجريمة المنظمة التي توظف النفوذ الرياضي والاقتصادي والسياسي وحتى
الأمني وتنضوي ضمن شبكات معقدة التكوين والنشاط يصعب فك رموزها. و المسألة
اليوم تجاوزت قدرات 'الفيفا' ، فـ'الأنتربول' هي من تعهّد بكشف الخيوط وقد
تتسع رقعة الجريمة إلى حد يفوق التصور.
ولكن هل تمضي
'الفيفا' إلى ما لا نهاية وتواصل التصدي للانحرافات بكل شجاعة ، أم أن ما
وراء الجرائم أكبر من أن تطاله يد القانون والعقوبات، وهو ما سيحكم بالفشل
المنتظر على الحملة برمتها، وعلى فرض تواصلها فهل ستقبل 'الفيفا' بكشف مدى
اتساع تآكل المنظومة الكروية الذي قد يفضي إلى تقويض كامل لنظام المسابقات
الرسمية لكرة القدم