إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ
--------------------------------------------------------------------------------
إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ هذا عقد بين المسلم وربه وميثاق بين العبد ومولاه ، أن يصرف العبد كل عبادته لله _ عز وجل _ ولا يشرك معه غيره ، وأن لا يستعين إلا بربه جل في علاه ، فمن العبد العبادة والمسألة والطلب ، ومن الله العون والتأييد ، وهذه الآية كما قال الله _ عز وجل _ في الحديث القدسي : " هذا بيني وبين عبدي ولعبدي ما سأل " وهي ملخص دعوة الأنبياء وموجز رسالة الرسل عليهم السلام .
ومعاني القرآن مجموعة في هذه الآية ,فالله أوجب حقه على الخلق ,وهو أن يعبدوه ولايشركوا به شيئا ,وأوجب على نفسه لهم حقا إذا فعلوا ذلك وهو أن لا يعذبهم .
والعبادة التي يريدها الله من الخلق هي:فعل كل ما أوجبه الله ورسوله صلى الله عليه وسلم من الأقوال والأفعال الظاهرة والخفيه, واجتناب مانهى الله عنه ورسوله صلى الله عليه وسلم من ذلك ، والاستعانه :طلب العون من الله في كل أمر لا يستطيع عليه المخلوق ولا يقدر عليه إلا الخالق ، ولذلك قال عليه الصلاة والسلام لابن عباس : " إذا سألت فاسأل الله ، وإذا استعنت فاستعن بالله " .
إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ وثيقة مقدسة يعلنها المسلم في كل ركعة من صلاته فريضة كانت أو نافلة ليذكر نفسه دائما بهذا العهد العظيم ، الذي من أجله خُلق الإنسان ، ومن أجله أرسلت الرسل ونزلت الكتب ، وقام سوق الجنة وسوق النار ، ومد الصراط ، ونصب الميزان ، وبعث الخلق من قبورهم ، وحصل ما في صدورهم ، وعرضت عليهم صحفهم ، وأقيم عليهم شاهد من أنفسهم .
إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ هي قضية الخلاف بين المسلمين والمشركين ، وهي من معاني لا إله إلا الله ، ومن أجلها وقع القتال بين أولياء الله وأعدائه ، وحصلت الحروب بين حزب الله وحزب الشيطان ، فما بعث الرسل عليهم السلام إلا من أجل أن يعبد الله وحده لا شريك له ، وما سالت دماء الشهداء إلا ليوحد الله ويفرد بالعبادة ويختص بالتوجه دونما سواه جل في علاه .
إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ سعادة أبدية ونجاة سرمدية بها يتم الصلاح وينال الفلاح وتسهل الأمور وتدفع الشرور ، ولا ينال رضا الله ورحمته وعفوه ومغفرته وعونه وهدايته وتسديده إلا بـإِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ، ولا تحصل النعم ، ولا تدفع النقم ولا يحصن من المتالف ويسلم من الصوارف ويحفظ من الكوارث والفتن والمحن إلا بـ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ، وهي عاصمة لمن قام بحقوقها من الزلل والتخبط العقدي والهوج الفكري والضلال العملي والسفه الأخلاقي والإنحطاط السلوكي والشطط العلمي ؛ لأن في إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ عناية ربانية ، ورعاية إلهية ، وولاية إيمانية ، وبركة القرآن .
وهي أعظم فتح يفتح به على الإنسان ، فيكرم ويجتبى من عالم الطين ، ويصطفى من دنيا الانحلال والتمزق والاضطراب والضياع والانحراف والذل والخنوع والخيبة ، فيرتقي هذا الإنسان بـإِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ مكرما في معارج القبول عند ربه ، وفي سلم الوصول إلى مولاه ، وفي درجات الفوز إلى خالقه ، وهذا أعظم مجد وأجل رفعة وأحسن منزلة وأشرف رتبة ، ويهون معها المجد الدنيوي المؤقت المنقطع الزائل الفاني من منصب أوجاه أو مال أو ولد أو شهرة ، فيصبح المسلم بهذه الكلمة عزيز الجانب ، قوي الركن ، عامر القلب ، مطمئن النفس ، منشرح الصدر ، منبلج الخاطر ، نير البصيرة ؛ لأنه اتصل بالله ، ودخل في نسب العبودية ، ولبس تاج الخدمة للأحد الصمد ، وحمل راية الولاية ، وتشرف بالانضواء تحت علمإِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ .
إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ صلة بين الأرض والسماء ، وبين الضعف والقوة ، والفقر والغنى ، والبقاء والفناء ، وصلة بين العبد الضعيف الفاني وبين الله القوي الغني الحي القيوم ، فيها يحرر الإنسان من الرق للطاغوت ، والعبودية للوثن ، والإستسلام للشهوات ، والوقوع في براثن الغواية ، والسقوط في مهالك الردى ، وبها يغسل الإنسان من رجز الشرك ونجاسة الجاهلية ، وخبث الكفر وأدران الفسق ، وأوساخ المعصية ، وبها يطهر ضمير العبد من الخواء ، وقلبه من النفاق ، وعمله من الرياء ، ولسانه من الكذب ، وعينه من الخيانة ، ونفسه من الظلم ، فيصبح بـإِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ عبدا لله مخلصا مبرأ من الشرك ، نقيا من الوثنية ، معصوما من نزغات الشيطان ، محفوظا من فتنة الشهوات والشبهات