كيف نكسب رمضان؟
سؤال: كيف نكسب رمضان؟
كان الرسول صلى الله عليه وسلم إذا دخل شهر رجب دعا الله أن يبلغه شهر رمضان فيقول: "اللهم بارك لنا في رجب وشعبان، وبلّغنا رمضان"، وذلك حباً وكرامة لرمضان.
وهو شهر يبدأ شوقنا إليه مع أول الأيام التي نودعه فيها، ويتسارع حنيننا إليه مع اقتراب أيامه وهو خير شهر يقف فيه الإنسان مع نفسه متدبراً متأملاً، ففيه تتضاعف الحسنات، وفيه فرصة تسنح لمن يبلغها كل عام، فرصة كبرى فاز من حازها، فرصة للحصول على مغفرة اللَّه، والشقيّ من حرم غفران اللَّه في هذا الشهر العظيم كما في الحديث النبوي.
شهر رمضان هو شهر الخير والإقبال على الله سبحانه وتعالى، وهو شهر مراجعة وتفكير وتأمل ومحاسبة للنفس، يتخفف فيه المؤمن من الشهوات، ويقبل فيه على سائر الطاعات، ويحسن فيه من فرص الأجر العظيم، يخلو مع الله في صلاة الليل، ويكثر فيه من قراءة القرآن، فهو شهر القرآن، بل هو ربيع القرآن، كما في الحديث الشريف: "لكل شيء ربيع، وربيع القرآن شهر رمضان"، وهو شهر يفرح به المتعبدون، ويتنافس في خيراته المتنافسون، يتنافسون في رحمة الله ومغفرته وفي الدخول إلى قوائم العتقاء من النار، ففي الحديث المتفق على صحته قال صلى الله عليه وسلم: "من صام رمضان إيماناً واحتساباً غُفر له ما تقدم من ذنبه، ومن قام رمضان إيماناً واحتساباً غُفر له ما تقدم من ذنبه، ومن قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غُفر له ما تقدم من ذنبه".
فرض الله سبحانه وتعالى على عباده المسلمين صيام شهر رمضان وسنّ النبي صلى الله عليه وسلم قيام لياليه، لأن فيها ليلة عظيمة هي خير من عبادة ثلاث وثمانين سنة، والآن وقد أصبحنا بين يدي شهر عظيم، يفتح الله فيه أبواب الخير، وتتضاعف فيه الحسنات والرحمات، تُفتح فيه أبواب الجنان، وتُغلق فيه أبوابُ النيران، فقد قال صلى الله عليه وسلم: "إذا كانت أول ليلة من رمضان، فُتحت أبواب الجنة، فلم يُغلق منها باب، وغُلقت أبواب جهنم، فلم يُفتح منها باب، وصُفّدت الشياطين، وينادي منادٍ: يا باغي الخير أقبل، ويا باغي الشر أقصر، ولله عتقاء من النار وذلك كل ليلة"، أخرجه البخاري ومسلم.
وكان صلى الله عليه وسلم يبشر به صحابته رضوان الله عليهم فيقول: "أتاكم شهر رمضان، شهر مبارك، فرض الله عز وجل عليكم صيامه، تفتح فيه أبواب السماء، وتغلق فيه أبواب الجحيم، وتغل فيه مردة الشياطين، لله فيه ليلة خير من ألف شهر، من حُرم خيرها فقد حُرم".
ومع ذلك نجد من بيننا من يخسر رمضان "والعياذ بالله"، ومنا من يخسر فرصته السنوية التي قد لا تعوض، فيخسر أجر رمضان الذي تكفل به الله عز وجل للذي يصومه ويقومه إيمانا واحتسابا، وهو الأجر الذي بشرنا به صلى الله عليه وسلم بأنه رحمة ومغفرة وعتق من النيران، ودخول في رحمة الرحمن، ومنا من يفرط فيه كل عام، مع أننا علمنا من رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم أن: "رمضان إلى رمضان مكفر لما بينهما".
لماذا لا نعزم على أن نكسب رمضان هذا العام؟ لماذا نترك الفرصة نفسها تضيع عاما من وراء عام؟ ومن أدرانا أننا سنبلغ رمضان بعد عامنا هذا؟
ليس أمام من يريد أن يكسب رمضان غير أن يستقبله بالعودة الصادقة إلى الله تعالى، وهجر المنكرات، وترك الصغائر والموبقات، والتوبة إلى الله. وينبغي على المسلم الذي يريد أن يكسب هذا الشهر المبارك أن يكون له برنامج عمل لا هدف له غير أن يكسب رمضان، وأول ما يجب عليك فعله يا من أردت أن تكسب هذا الشهر الكريم أن تُخلص النية وتحتسب الأجر عند الله وتعزم على ترك الطعام والشراب والابتعاد عن الشهوات لله وحده: "إلا الصيام فإنه لي وأنا أجزي به" كما في حديث أبي هريرة وهو متفق عليه.
واحرص على الصلوات الخمس المكتوبة، ولا تؤخرها عن وقتها، واحرص على قيام الليل والتهجد في جماعة، وفي بيتك، وما تيسر لك منه فأحسنه، وأحسن الوقوف بين يدي الله في كل وقت، واقرأ القرآن على مدار اليوم والليلة، ولا تنقطع عن عمل الصالحات من الأعمال، وأكثر من عمل الخير، وتصدق بما تملك الصدقة به، وزد فيه ما وسعتك الزيادة، وانشط في عباداتك، وأكثر من الصلاة على نبيك المصطفى صلى الله عليه وسلم، واذكر الله في كل وقتك.
ويجب على كل مسلم يريد أن يكسب رمضان أن يحفظ سمعه، وبصره، ولسانه، عن المحرمات في نهار رمضان ولياليه، ويجب عليه أن يحافظ على السنن والنوافل، وأن يحافظ على صلاة الجماعة للفروض الخمسة في المسجد، وأن يحرص على شهود الأذان، وتكبيرة الإحرام مع الإمام، والوقوف في الصفوف الأولى، وأن يحافظ على صلاة التراويح، وصلاة الشفع والوتر، وعلى قيام الليل، وعلى قراءة ورده من القرآن يوميا، وإذا كانت صلة الرحم واجبة في غير رمضان فهي أوجب فيه، وهي من أسباب الرزق في غير رمضان، وفي رمضان، ورزق رمضان أوفر وأولى بأن نسعى إليه، وإذا كان ذكر الله هو حال المؤمن المطيع ربه ورسوله في كل وقت فهو في رمضان له مذاق وطعم الطمأنينة والسلام من رب السلام، وللصدقة في رمضان، ولو بأقل القليل أجر كبير، وكان سيد المرسلين محمد صلى الله عليه وسلم كالريح المرسلة في الجود والصدقة في رمضان.
وإذا استطعت أن تحافظ على ركعتين بعد كل وضوء فقد فزت بما فاز به بلال مؤذن الرسول الذي سأله صلى الله عليه وسلم: "يا بلال حدثني بأرجى عمل عملته في الإسلام فإني سمعت دف نعليك بين يدي في الجنة، قال: ما عملت عملاً أرجى عندي من أني لم أتطهر طهوراً في ساعة من ليل أو نهار إلا صليت بذلك الطهور ما كُتب لي أن أصلي".
وعلى الذي يريد أن يكسب رمضان أن يواظب على حضور دروس العلم، وأن يتعلم السيرة النبوية ليكون رسول الله صلى الله عليه وسلم قدوتك في الحياة الدنيا إلى نعيم الآخرة، وأن تكون ممن يصلحون بين إخوانهم، وأن تكون كريم اليد عفيف اللسان سخياً، آمراً بالمعروف ناهيا عن المنكر، وأن تعجّل فطورك، وأن تحرص على سحورك ولو بشق تمرة وجرعة ماء، وأن تكثر من الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأن تعتمر إن استطعت إلى ذلك سبيلا، فعمرة رمضان تعدل حجة مع الرسول صلى الله عليه وسلم، وأن تبرّ والديك، وأن تعتكف العشر الأواخر من رمضان وأن تقيم الليل، وأن تحيي ليلة القدر.
واسأل نفسك إن أردت أن تضع لنفسك علامات الفوز برمضان بعض الأسئلة منها مثلا: هل تقرأ القرآن بكثرة؟ وهل ختمته أكثر من مرة؟ وهل تحرص على أداء الصلوات في وقتها بطمأنينة وخشوع ومع جماعة المسلمين، وهل تحافظ على السنن الرواتب القبلية والبعدية؟ وهل تصدقت وأطعمت الطعام؟ وهل تحرص على أداء صلاة التراويح بآدابها؟ وكم ساعة تنام في رمضان، وكم ساعة تقوم من الليل؟ وكم مجلس علم حضرته؟ وكم عدد تلك الدقائق التي تقضيها في التسبيح والتهليل والتحميد؟ وكم مرة رفعت إلى الله أكف الضراعة بالدعاء.
أسئلة كثيرة وإجابتها الوحيدة التي تليق بالمسلم الذي عزم على الفوز في رمضان أن تكون: نعم على كل الأسئلة، والمهم أن نصدق مع أنفسنا لنفوز برحمة الله ومغفرته وبالعتق من النار وذلك هو الفوز الكبير.